في هذه الدراسة، بحث الباحث في مفهومِ "السَّلَام" الّذي وردَ في سورةِ مريم، وخاصةً في أربع آياتٍ. يُسلِّطُ البحثُ الضوءَ على العلاقةِ بين هذا المفهومِ والحياةِ ودوره في إيجادِ توازنٍ بين متطلباتِ الدنيا والآخرة. وتنبعُ دوافعُ هذه الدراسة من الحاجةِ المُلحَّةِ لفهمِ قيمِ القرآنِ بعمقٍ وتطبيقِها على واقعِ الحياةِ المعاصرةِ، لا سيما في ظلِّ التحدياتِ الأخلاقيةِ والاجتماعيةِ التي تواجهُ المجتمع الإسلامي. وتهدفُ هذه الدراسة إلى كشفِ المعاني الكامنةِ في مفهومِ "السَّلَام" من خلال تحليلِ الآياتِ ذاتِ الصلةِ من منظورِ التفسيرِ الموضوعيِّ، مستعرضةً حياةَ النبيِّ يحيى والنبيِّ عيسى عليها السلام. كما تسعى الدراسةُ إلى استخراجِ الحكمةِ التي يُمكنُ أن تُطبَّقَ على قِبلِ المسلمين لتحقيقِ السلام الدُّنيويةِ والخلاصِ في الآخرة، وتوضيحِ العلاقةِ بين الطاعةِ والإيمانِ والسَّلَامِ الشَّاملِ. وإضافةً إلى ذلك، تُقدمُ الدراسةُ رؤيةً تطبيقيةً لكيفيةِ تطبيقِ هذا المفهومِ في الحياةِ اليومية. واعتمد الباحث المنهجَ المستخدمَ في الدراسةِ على الجمعِ بينِ الدراساتِ المكتبيةِ والتحليلِ النصيِّ للقرآنِ من خلالِ مراجعةِ شروحاتِ المفسرينَ. وقد جُمِعَت البياناتُ من المصادرِ الأوليةِ مثلَ تفاسيرِ وهبةِ الزحيلي، وطنطاوي، والمراغي، وابن عاشور، والألوسي، إلى جانبِ المصادرِ الثانويةِ التي تُعمِّقُ الفهمَ وتُحققُ التكاملَ في البحث. وقد جمّع البحث البيانات من المصادر الأولية والثانوية لتكوين رؤية متكاملة توضح كيف يبرز مفهوم السلام في المراحل الحاسمة من حياة الأنبياء كنموذج يُحتذى به لتحقيق السلام في جميع جوانب الحياة. ظهرت نتائجُ البحثِ أنَّ مفهومَ "السَّلَام" في سورةِ مريم لا يقتصر على الحماية البدنية، بل يمتد ليشمل الصحة الروحية والأخلاقية والاجتماعية؛ إذ ظهر في القرآن عناية الله بعباده عبر مراحل الولادة والموت والبعث. كما أن هذه النتائج تؤكد أن الاقتداء بأسلوب حياة الأنبياء يمثل الطريق الأمثل لتحقيق السلام الدنيوي والأخروي، مما يجعل من هذا المفهوم إطاراً عملياً يُعين المسلمين خصوصا والبشر عموما على مواجهة تحديات الحياة وتحقيق التوازن في كافة نواحي الوجود. واستنادًا إلى هذه النتائج، يُوصَى بدمجِ مفهومِ السَّلَامِ القرآنيِّ في المناهجِ التعليميةِ والبرامجِ الاجتماعيةِ لتعزيزِ قيمِ الطاعةِ والصدقِ وبرِّ الوالدين. كما ينبغيُ أن يُركِّزَ البحثُ المستقبليُّ على تطبيقِ هذه المبادئِ في مواجهةِ تحدياتِ العصرِ وتطويرِ استراتيجياتٍ تجمعُ بينَ الجانبينِ الروحيِّ والماديِّ في حياةِ الفردِ والمجتمعِ لبناءِ مجتمعٍ متناغمٍ وعادلٍ.