تُعَدُّ قصةُ هامان وفرعون في القرآن الكريم صورةً واضحةً عن كيفية استبداد السلطة الجائرة التي ترفض الحق. فليست هذه القصة مجرد أحداثٍ تاريخية، بل هي عِبْرة تحمل في معانيها دلالات أخلاقية واجتماعية وسياسية مناسبة لكل زمان. وقد أكَّد سيد قطب في ظلال القرآن أن الغاية من عرض هذه القصة القرآنية هي أن يتخذ منها الناس دروسًا عظيمةً في فهم عواقب الكِبْر واستعمال السلطة في غير حقٍّ وممارسة الظلم على الرعية. وتهدف هذه الدراسة إلى البحث العميق في قصة هامان وفرعون من خلال فهم سيد قطب في تفسيره في ظلال القرآن. وتسعى إلى الكشف عن المعاني القرآنية التي تتضمن هذه القصة من خلال عدسة تفسير سيد قطب، حتى يتضح مدى صِلتها بالواقع المعاصر. وقد اعتمدت هذه الدراسة على المنهج النوعي (الكيفي) من نوع الدراسة المكتبية (library research)، باستعمال منهج التفسير الموضوعي. وتم جمع البيانات وتحليلها من خلال مراجعة المصادر والمراجع، ولا سيما تفسير في ظلال القرآن. أما المنهج المتبع فهو الوصفي-التحليلي لجمع الآيات المتعلقة بالقصة، وتتبع تفسير لسيد قطب ، ثم دراستها دراسةً شاملةً. وأظهرت نتائج البحث أن سيد قطب يرى أن قصة هامان وفرعون تمثل رمزًا للسلطة المطلقة المتغطرسة التي تستبد بالناس. فقد صُوِّر فرعون طاغيةً ادَّعى الألوهية، بينما كان هامان رفيقَه المخلص الذي يدعم نظام الاستبداد ويقويه. وهذان الشخصان يجسدان النمطَ الكلاسيكي للظلم السياسي الذي يتكرر في مسيرة التاريخ. والرسالة الأساسية من هذه القصة أن كل سلطة لا تُبْنَى على الإيمان بالله والعدل، فإن مصيرها الهلاك والزوال. توصي هذه الدراسة بأن تتوسع البحوثُ اللاحقة في آفاقها، ولا سيما في مجال منهجية التفسير وفكرة العلماء، حتى تتمكن المؤلفاتُ القادمة من تقديم إسهامٍ أوفر في رصيد علم التفسير المعاصر. كما توصي بتوسيع دائرة التحليل لتشمل الشخصياتِ المساندةَ لفرعون المذكورة في القرآن الكريم. وبهذا يصبحُ البحثُ في التفسير الموضوعي أكثرَ غنىً واتساعًا، وأشدَّ صلةً بواقع القضايا الاجتماعية والسياسية في عصرنا الحاضر.