أنزل القرآن الكريم باللغة العربية، لذا فان فهم قواعد هذه اللغة ضروريّ لفهم رسالته ومقاصده. ومن بين القواعد اللغوية التي تساعد في تدبر معانيه هي التقديم والتأخير والتي تعني تقديم كلمة على أخرى أو تأخيرها عنها وفقا لسياق الآية وحكمتها. ومن أمثلة ذلك تقديم لفظ المغفرة على الرحمة أو العكس في بعض مواضع القرآن الكريم. فقد وردت هاتان الكلمتان معا في العديد من الآيات وغالبا ما تقدم المغفرة على الرحمة خصوصا عند ورودها بصيغة المبالغة حيث جاء ذلك في سبعين موضعا في القرآن الكريم. غير أن هناك موضعا واحدا في سورة سبأ الآية ٢ قدمت فيه الرحمة على المغفرة وهذا الترتيب اللغوي يعد ظاهرة تستحق البحث والتأمل للكشف عن أسراره ودلالاته. ومن وراء هذا الترتيب اللفظي يسعى الباحث إلى دراسة التقديم والتأخير في كلمتي المغفرة والرحمة في القرآن الكريم. هدف هذا البحث إلى الكشف عن سرّ التقديم والتأخير بين كلمتي المغفرة والرحمة في بعض آيات القرآن الكريم، من خلال تحليل سياق الآيات التي وردت فيها من الكلمتين في موضع التقديم أو التأخير في الآية الواحدة. وللحصول على الحقائق العلمية، استخدم الباحث دراسة الدلالة القرآنية نظرا إلى سياق الآية. وهذا البحث العلمي من نوع البحث المكتبي وهو البحث يقصر أنشطته على جمع المعلومات والبيانات المكتوبة بشكل كتب أو المجلات أو الوثائق أو المواد التي أُخِذَتْ من المكتبة. وطريقة جمع البيانات المستخدمة في هذا البحث هي جمع عن طريق أخذ البيانات من الوثائقية، أي البيانات التي تم الحصول عليها من نصوص الدراسة للكتب والمجلات والأدبيات الأخرى. ولأساليب التي استخدم الباحث لتحليل البيانات لهذا البحث هي المنهج الوصفي والمنهج التحليلي. نتائج هذا البحث أن سر تقديم المغفرة وتأخير الرحمة في آية واحدة الذي ذكر في خمسة مواضع له سياق خاص يخالف بعضها بعضا. وسياق الآية المقصودة هي اعتراف آدم وحواء من الذنب، وقصة موسى وحادثة بني إسرائيل، وبيان الصفات الإلهية، ودعوة صالح عليه السلام، وتوبة وإنابة نوح عليه السلام. وسر تقديم الرحمة وتأخير المغفرة آية واحدة الذي ذكر في ثلاثة مواضع له سياق خاص يخالف بعضها بعضا. وسياق الآية المقصودة هي عبادة بني إسرائيل العجل، وإحاطة علم الله في الكوون، وتسبيح الملائكة واستغفارهم للمؤمنين. ووجد الباحث أيضا تقديم المغفرة وتأخير الرحمة وعكسها في أية واحدة الذي ذكر في موضعين له سياق خاص. وسياق الآية المقصودة هي تشجيع للمؤمنين على الإيمان والتقوى، ودعوة المخطئين إلى التوبة وعدم اليأس. بناءً على نتائج هذا البحث، يوصى بإجراء دراسات أعمق حول التقديم والتأخير في القرآن الكريم من منظور علم الدلالة خاصة في الدلالة السياقية. وكذلك تبني مقاربات متعددة التخصصات تشمل اللغويات، والتفسير، وعلم الدلالة. ومن المتوقع أن تسهم هذه الدراسة في إثراء البحوث القرآنية، وتكون مرجعًا للباحثين والقراء لفهم التقديم والتأخير في القرآن الكريم بشكل أعمق.