في هذا العصر الحديث، تكاثرت المصائب والشدائد التي تؤثر في استقرار الإنسان النفسي والروحي، وأصبحت سببًا في غفلة القلوب وانطفاء نور التأمل في الحكمة الإلهية الكامنة فيها. ويعود ذلك إلى هيمنة النظرة المادية على تصورات الإنسان المعاصر، التي ترى المصائب مجرد معاناة سلبية، مما يحجبه عن إدراك الجمال الخفي الذي تنطوي عليه الابتلاءات. ومن هنا تبرز أهمية الكشف عن مفهوم المصائب في ضوء الرؤية الجمالية الإلهية كما يصوغها بديع الزمان سعيد النورسي، إذ لا يرى المصيبة مجرد امتحان، بل نافذة يتجلى فيها جمال أسماء الله وصفاته، مثل الحكمة والرحمة والعدل واللطف. فهو يعيد تشكيل نظرة الإنسان للمصيبة، فتصبح ذات بُعد جمالي توحيدي، ومدخلًا للتفكر في تجليات الجمال الإلهي، بدل أن تكون عبئًا ثقيلًا. وتسهم هذه الرؤية في ترسيخ نظرة توحيدية متكاملة، أساسها الصبر والشكر والتوكل، لفهم المصيبة كجزء من نظام إلهي بديع يقوم على الرحمة والحكمة. يهدف هذا البحث إلى دراسة مفهوم المصائب عند بديع الزمان النورسي وأثره في ترسيخ الرؤية الجمالية. ويتناول البحث مفهوم المصيبة بوجه عام، ومكانتها في فكر النورسي بوجه خاص، مع إبراز رؤيته حول كيفية التعامل مع المصائب من خلال مبدأي الصبر والشكر. كما يستعرض البحث دور هذه المفاهيم في تحقيق الرؤية الجمالية لدى الأفراد، مما يعينهم على مواجهة الابتلاءات بروح راسخة ونظرة متزنة، تحقق الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره. يعدّ هذا البحث باعتبار مصادره بحثا مكتبيا (Library Research) وباعتبار الأسلوب فهذا البحث بحث كيفي ونوعي (Qualitative Research) ومن حيث عرض البيانات نهج منهجا وصفيا تحليليا (Descriptive-Analytical Method) ومن حيث الموضوع فهوبحث كلامي أي بالدراسة الكلامية. توصلت هذه الدراسة إلى أن النورسي ينظر إلى المصائب لا كمجرد ابتلاء دنيوي، بل كوسيلة للارتقاء الروحي والتقرّب إلى الله. فهو يرى فيها تنبيهًا رحمانيًا لإيقاظ الإنسان من غفلته، وكفارةً للذنوب، وتطهيرًا للنفس، مما يجعل المصيبة منحةً إلهية إذا قوبلت بالصبر والشكر والتوكل. وتبيّن الدراسة أن المصائب، وفق منهج النورسي، تؤدي دورًا جوهريًا في ترسيخ الرؤية الجمالية لله، إذ تعزز في الإنسان وعيًا عميقًا بتجليات جمال أسماء الله وصفاته من خلال الابتلاءات، مما يمكنه من مواجهتها بنفس مطمئنة وثبات إيماني. ومن خلال ترسيخ مبادئ الصبر والشكر والتوكل، يدرك الإنسان أن الشدائد ليست عقوباتٍ محضة، بل اختبارات إلهية تهدف إلى تقوية القلب ورفع درجات العبد في الدنيا والآخرة. وبعد، فإن الباحثة تعترف أن هذا البحث لم يبلغ حد الكمال، وإنما هو جهد متواضع لا يخلو من النقص والقصور، وترجو أن يوفق الله الباحثين في المستقبل إلى تقديم دراسة أكمل وأجود مما اجتهدت فيه اليوم.